|
|
|
يجري استغلال العمال والعاملات في النظام الرأسمالي في ظروف سيئة او حسنة نسبيا حسب قوة التنظيم العمالي. فرب العمل يسعى الى اقصى ربح ، وبالتالي خفض التكاليف ، ويرى في تحسين ظروف العمل ثقلا يعمل ما بوسعه للتخلص منه. وتقوم المنافسة بين الرأسماليين بدفع ظروف العمل الى التدهور .
كما ان انتشار البطالة واشكال العمل الهش ( المؤقتون والعاملون بدوام جزئي وعمال شركات الوساطة في التشغيل ) تجعل العمال في موقع ضعف ازاء رب العمل أي تشغيلهم في ظروف بالغة السوء، لان الخوف من الطرد، وبالتالي شبح الجوع، يدفع العمال الى قبول المخاطرة بصحتهم .
كما ان نظام العمل بالمقاولة من الباطن المنتشر بشكل واسع في السنوات الاخيرة مشهور بتدهور شروط العمل فيه .
هذا ما جعل حوادث الشغل وامراضه كارثة عالمية يموت بسببها سنويا 1.1 مليون عامل ويسجل كل سنة 160 الف حالة اصابة جديدة بامراض مهنية . وفي المغرب تبلغ الظاهرة مستويات مروعة لا تعكسها الارقام الرسمية . وذلك بفعل تساهل الدولة مع ارباب العمل فيما يخص حماية اليد العاملة ، وقد سبق لوزير صحة ان قال امام البرلمان ان السعي الى تطبيق إجراءات السلامة وحفظ الصحة في المغرب سيؤدي الى اغلاق اكثر من 70 % من المعامل الصغيرة وبالتالي الى ازمة اقتصادية .
ورغم كل التهاون في رصد حجم الكارثة تعبر الأرقام الرسمية نفسها عن حجم المصيبة : فحسب مديرية التامين والوقاية الاجتماعية تم التصريح سنة 2000 ب 55496 حادثة شغل منها 26943 خطيرة .
عيوب قانون التعويض عن حوادث الشغل وأمراضه :
ينظم هذا التعويض بظهير 6 فبراير 1963 ، أي بقانون يعود الى 40 سنة خلت . لكن الحقيقة مروعة اكثر من ذلك، لان ما يسمى بظهير 1963 المذكور ليس الا تعديلا شكليا محضا لظهير 25 يونيو 1927 . وهذا نفسه مستوحى من قانون فرنسي يعود الى 1898 . اي ان الدولة المغربية تنظم التعويض عن حوادث الشغل وأمراضه بقانون يعود في جوهره الى اكثر من قرن ، قرن شهد من التحولات التكنولوجيا ومن صيغ تنظيم العمل ما لا يخطر على بال .
بعد صدور ظهير 1927 جرى تمديد مقتضياته لتشمل الامراض المهنية سنة 1943 وفي العام 1947 اضيف اعتبار حادثة الطريق ( بين السكن والعمل ) حادثة شغل .
ويتمثل العيب الاساسي للقانون المغربي في كونه يهدف بالدرجة الاولى الى التعويض ولا يتناول اسباب الخطر المهني . كما انه لا يتخذ اجراءات عقابية لقمع ارباب العمل وحتى تلك الطفيفة الواردة فيه لا تطبق ، كما ان الفصل 432 من القانون الجنائي اداة مهمة لاتهام ارباب العمل لكن لا النيابة العامة والا الضحية يستعملانه ( وحده الفصل 288 يطبق بفعالية لقمع المناضلين ) . كما ان طول مسطرة التعويض يجعل الاستفادة ماراطونا يتعين على الضحية تحمله للظفر في الاخير بتعويض هزيل.
اما ثاني اكبر اوجه النقص فيتمثل في عدم اجبارية التأمين عن حوادث الشغل والامراض المهنية ، فالاجبارية مقتصرة على الخواص المستفيدين من الصفقات العمومية ( مع العلم انه من السهل الحصول على شهادة كاذبة) وعلى بعض الفئات العمالية كالبحارة. وقد جرى مؤخرا توسيع الاجبارية وهو امر سنتناوله لاحقا .
وفي الواقع حتى الملزمون قانونيا بتأمين عمالهم يتهربون او لا يصرحون بعدد العمال الحقيقي ولا باجورهم الحقيقية ولا بطبيعة المخاطر المهنية ودرجتها . وكل ذلك من اجل تقليص مستحقات التأمين الواجبة .
وخلال التنازع في المحاكم تستعين شركات التأمين بجيش من المحامين لاجل استعمال كل ثغرات القانون لسلب العمال حقوقهم . وتستغل جهل العمال للمساطر القضائية لتفرض عليهم صلحا يبدو مغريا لكنه مفجع مع مرور الوقت . وتتعاقد شركات التأمين مع اطباء لفحص جميع المصابين في العمل وذلك بتعريفة هزيلة مما يؤدي الى عدم اهتمام هؤلاء بالضحايا .
تعديل قانون التعويض عن المخاطر المهنية : هزيمة عمالية دون معركة
صادق البرلمان بالاجماع على قانون 18-01 . ونص هذا التعديل على ما يلي :
رفع التعويض اليومي الذي يتلقاه الضحية الى نسبة الثلثين من الاجرة منذ اليوم الاول ( من قبل كان التعويض اليومي يساوي نصف الاجرة في 28 يوم الاولى ويرفع الى الثلثين بعدها )
جعل الايراد السنوي الذي يتلقاه المصاب بعجز يساوي الاجرة السنوية مضروبة في نسبة العجز ( من قبل كانت الاجرة لا تضرب في نسبة العجز كاملة)
الإجبارية : نص التعديل على توسيع اجبارية التأمين عن الحوادث والامراض المهنية لتشمل كافة الخاضعين لقانون الضمان الاجتماعي ومستخدمي الجماعات المحلية المؤقتين والعرضيين والمياومين واجراء المؤسسات العمومية غير الخاضعين لقانون الوظيفة العمومية. كان مرتقبا ان يبدأ تطبيق القانون بعد 3 اشهر من صدوره بالجريدة الرسمية ، أي ان يوم 19 نوفمبر 2002 كان سيشهد تحسينا نسبيا لمنافع القانون ، لكن ارباب العمل تصدوا له بقوة بعد ان زادت شركات التأمين ثمن التأمين بنسبة 132 % دون حاجة الى موافقة من وزارة المالية لان القطاع اصبح حرا منذ يوليوز 2000 .
نظم ارباب العمل حملة اعلامية مضادة لمشروع التعديل واعتبره الشامي رئيس كونفدرالية ارباب العمل «مؤامرة ضد المقاولة » . ووجدت تلك الحملة اصداءها حتى داخل الصحافة التقدمية ( بمبرر ان التعديل سيعرقل الاستثمار !) ، وجرى التركيز على ان التعديل سيلقي عبئا ماليا على المقاولة «الوطنية» لا طاقة لها به، وبالتالي فسيضر بتنافسيتها ، الى اخر المعزوفة الشهيرة. وقامت منظمات ارباب العمل بالتعبئة القصوى عبر اصدار البيانات وبعث المراسلات وتوقيع العرائض في جميع القطاعات . وجرت الاتصالات بالوزارة الاولى والمطالبة بتدخلها ، هذا كله بينما لم يسمع صوت لمنظمات العمال ( ما زالت الحركة النقابية المغربية دون اعلام حقيقي بعد نصف قرن من الاستقلال متراجعة حتى عما كانت عليه ابان الاستعمار ) .
اثمرت تعبئة ارباب العمل و استجابت الحكومة للضغط ، أي ان البورجوازية نجحت في رفض تطبيق قانون صادق عليه البرلمان بالاجماع وتمكنت من الغائه. هكذا تم التراجع عن بعض ما جاء في قانون 01-18. اذ صدر تعديل ينص على ما يلي :
* تبقى حالات الاصابات المهنية السابقة ليوم 19 نوفمبر2002 خاضعة للقانون قبل تعديله أي ظهير 1963
* حالات الاصابات بين 19 نوفمبر2002 و نهاية يونيو 2003 : يطبق عليها التعديل المنصوص عليه في قانون 18-01
حالات ما بعد يونيو 2003 : تخضع للنص الجديد الذي صادق عليه البرلمان في يونيو2003 (قانون 06.03 ) والذي يتضمن تراجعا في طريقة حساب الايراد السنوي ( عدم احتساب نسبة العجز كاملة)
واكبر ما انتزعه ارباب العمل هو التراجع عن اجباريةالتأمين عن الأمراض المهنية .
هذا مع العلم ان ضعف اهتمام الحركة النقابية المغربية بمشكل الأمراض المهنية ، جعل هذه الافة الرأسمالية تقتل وتصيب بالاعاقات عددا غير معروف من العمال . فالاكيد ان انعدام سياسة حماية حقيقية لليد العاملة وتهرب ارباب العمل نفقات تفادي الاخطار المهنية وسياسة غض الطرف التي تنهجها الدولة ، كلها عوامل تجعل شغيلة المغرب فريسة سهلة للامراض المهنية . ثم ان جدول الامراض المهنية المعترف بها ما زال بعيدا عن مواكبة تطورات الواقع الصناعي والزراعي والخدماتي رغم قرار وزير التشغيل في ديسمبر 1999 بتوسيع قائمة تلك الامراض من 35 مرضا الى 86 .[ عدد امراض الجدول الفرنسي 112 اضافة الى 55 مرضا خاصا بالزراعة] .
الخلاصة ان عمال المغرب وعاملاته سيظلون غير مؤمنين ضد الامراض المهنية وسيظل التعويض هزيلا ومستلزما مسطرة ماراطونية . فهل جاء قانون الشغل الجديد بما يسهم في حماية العمال من المخاطر المهنية ؟
لجان السلامة في مدونة الشغل
نصت المدونة على لزوم إحداث لجنة سلامة في كل مقاولة تشغل بالاقل 50 عاملا . وجلي ان هذا المقياس العددي شكلي لان الخطر المهني قد يكون قاتلا في مقاولة كيماوية بها 20 عاملا فقط . وما يعبر بوضوح عن عدم اهتمام واضعي القانون بصحة العمال ان شغيلة المقاولات المشغلة لاقل من 50 عاملا ُتركوا لمصيرهم ، اذ كان ممكنا التنصيص على اعطاء الصلاحية لمفتش الشغل او تكليف مناديب العمال او احداث لجنة سلامة مشتركة لمجموعة من المقاولات .
وحتى لجنة السلامة المحدثة في المقاولات المشغلة لاكثر من 50 عاملا لن يكون لها دور حقيقي لانها وضعت تحت تحكم رب العمل المهتم بارباحه قبل صحة العمال . فاللجنة يرأسها رب العمل، وهو الذي يدعو لاجتماعاتها مرة في 3 اشهر وعند الضرورة ، كما يفهمها هو ، وليس العمال المعرضون للخطر. وتضم اللجنة رئيس مصلحة السلامة او مهندس او اطار يعينه رب العمل وطبيب الشغل بالمقاولة واثنين من مناديب العمال . وينحصر دور اللجنة في الاستشارة وتقديم الاقتراحات . وحتى هذا الدور التافه لا يوفر له القانون شروط ممارسته اذ لم ينص على احداث مقر للجنة السلامة داخل المقاولة ، بل اشارة الى « مكان ملائم » ولا ينص على ساعات تفرغ اعضاء اللجنة للقيام بدورهم ، ولا يلزم رب العمل بتقديم المعلومات الكفيلة بمعرفة مستوى الاخطار المحدقة بالعمال . باختصار انها لجنة سلامة شكلية .
اين طب الشغل ؟
ليس لطب الشغل وجود حقيقي بالمغرب . فرغم ان ظهير 8 يوليوز 1957 ومرسوم 8 فبراير 1958 بهما مكاسب طفيفة فان وضع حركة نضال العمال لم يتح تطبيق الجوانب الايجابية . فالمصالح الطبية منعدمة في 75 % من المقاولات الملزمة بها قانونيا (سنة 1998 : 1200 ثمة مصلحة طب شغل من اصل 4600 مقاولة المعنية ( المشغلة لاكثر من 50عاملا ) وحتى تلك الموجودة لا دور فعلي لها. ورقابة مناديب العمال عليها منعدمة بل ان المناديب انفسهم غالبا ما يجهلون ان رب العمل ملزم بان يقدم لهم تقريرا سنويا حول تنظيم وسير عمل المصلحة الطبية . اما الفحوص الطبية السنوية ( نصف سنوية لمن يقل عمره عن 18 سنة ) فلا تجري حتى في مقاولات الدولة .
ان الجوانب الايجابية في القوانين المتعلقة بطب الشغل محاطة بما يجعلها باطلة المفعول ومجرد رماد في العيون . فمعلوم ان القانون استثنى من ضرورة احداث مصلحة طبية كل المقاولات التي يقل عدد عمالها عن 50 ، بينما تمثل المقاولات الصغيرة والورشات 76 % من المقاولات بالمغرب وتشغل 80 % من النشيطين . هذا علاوة على ان عدم التصريح بالعدد الحقيقي للعمال هو من العادات المستشرية لدى ارباب العمل .
اما دور طبيب الشغل فقد حرص القانون على ابقائه وقائيا فقط وليس علاجيا . وهو ما نص عليه صراحة ظهير 1957 في مادته الاولى وكرسته المدونة في مادتها 318 ، ونصت في المادة 319 ان دوره العلاجي استثنائي مقتصر على حالات الاستعجال او وقوع حوادث او ظهور امراض . أي ان العلاج متروك لغير طبيب المصلحة . ولا شك ان الهدف من ذلك هو توفير زبائن لاطباء القطاع الخاص أي التجاري ، وهو ما تسميه الفقرة الثانية من المادة المذكورة «حرية المريض في اختيار الطبيب المعالج»
اما من حيث حماية الأجراء من تقنيات العمل الخطيرة ووثائره الجهنمية فان القانون جعل رأي الطبيب استشارة غير ملزمة (المادة 16 من مرسوم 1958 التي كرستها المادة 321 من مدونة الشغل) . كما وضع القانون طبيب الشغل والمصلحة الطبية تحت تحكم رب العمل فهو الي يسيرها والطبيب مستشار له تربطه به عقدة عمل ( المادة 5 من مرسوم 1958 وكرسته المادة 312 من مدونة الشغل ) مما يجعل الاشارة الى استقلال الطبيب عن رب العمل الواردة في المادة 313 من المدونة مجرد كذب .
اما المجلس الاستشاري لطب الشغل فلم يجتمع ولو مرة واحدة منذ إحداثه قبل 44 سنة ولم تفعل مدونة الشغل غير تغيير اسمه ليصبح مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية .
ان ما يبدو ايجابيا في القانون في مجال حماية صحة العمال سيظل حبرا على ورق في ظل ضعف التنظيم النقابي وتشتت الحركة النقابية الى سبعين نقابة فارغة.
أي بديل ؟
لا يمكن الحد من كوارث الاصابات المهنية الا بتعزيز العمل النقابي وتوحيده. ومن اوجه تعزيز العمل النقابي يتعين صياغة مطالب حول حماية العمال من اخطار العمل ، تكون واضحة وذات قدرة على توحيد كافة الفئات.
ان اول المطالب التي يجب توحيد القوى العمالية المناضلة من اجل تحقيقها هي ادماج التعويض عن حوادث الشغل واللامراض المهنية في الضمان الاجتماعي . وهو ما تم في تونس منذ 1994. وقد كان
قيد الدرس بالمغرب منذ 1967 ، وحسب ادارة الضمان الاجتماعي فانها تدرس المسألة منذ 1974 (31 سنة !!) وقدمت ملفا كاملا لوزارة الشغل . وقبل 22 سنة (فاتح ماي 1983) اعلن وزير الشغل ان الدمج لا ينتظر سوى وضع الصيغة النهائية لعرض المشروع على مجلس الحكومة .
ان هذا الدمج المطلوب لا يعني جمع قانون الضمان الاجتماعي وقانون الحوادث بل اعادة هيكلة شاملة لنظام الحماية الاجتماعية في اطار رؤية تعتبر المخاطر الاجتماعية كلها.
وهو سيمكن العمال من الحصول على التعويض بكل بساطة أي انه سيخلصهم من المسطرة الطويلة ومن من “أتعاب” المحامي التي تلتهم قسما كبيرا من التعويضات.
وثاني المطالب الأساسية متمثل في توحيد صناديق الحماية الاجتماعية بسبب ماله من اثار ايجابية ، فهو سيتيح اقتصاد نفقات التسيير وسيزيد من القدرة على تقديم خدمات أوسع وأجود.
ثم ان هناك شروطا عامة لحماية العمال والعاملات من أخطار الشغل ، يجب ان تتمحور عليها مطالب منظمات العمال وهي :
الشرط الاول: أسبوع عمل من 35 ساعة دون خفض الاجر وبوتائر يراقبها العمال
الشرط الثاني حماية العناصر الأضعف من الطبقة : النساء والعمال
الشرط الثالث تعميم لجان السلامة لان العمال يعرفون اكثر من غيرهم الأخطار ويجب ان يكون لهذه اللجان حق الاعتراض وسلطة الوقف الفوري لاي عمل خطير
و طب الشغل يجب ان يستقل عن أرباب العمل ويخضع لرقابة النقابات ولجان السلامة مع قابلية عزل اطباء الشغل من طرف منظمات العمال .
|
|
|
|
|
|
|